قراءة في محضر إتفاق
عبد الله حدوشي Abdellah Hadouchi
الوثائق الإدارية المعتمدة والغير المعتمدة من طرف وزارة الداخلية والعمالات في تنظيم وتدبير قطاع سيارة الأجرة:
الظهير الشريف 1.63.260 والذي تم تعديله وتتميمه بقانون 16.90 (14 دجنبر 1962)
الدورية الوزارية بتاريخ 22/12/1981رقم 281
الدورية الوزارية بتاريخ 05/10/1999 رقم 122
الدورية الوزارية بتاريخ 11/10/2007 رقم 108
الدورية الوزارية بتاريخ 15/05/2012 رقم 21
الدورية الوزارية بتاريخ 09/11/2012 رقم 61
الدورية الوزارية رقم 16.
كذلك يمكن الأخذ بعين الإعتبار إتفاقية الشراكة الأولى بتاريخ 20/06/2001،
والثانية بتاريخ 20/02/2009
بغض النظر عن مدى فاعليتها من عدمه،
لكي يتناول القارئ لمحضر إتفاق بالدرس والتحليل أرى أنه من اللازم توفر بعض الشروط منها على سبيل الذكر ضرورة تحديد الموقع الذي منه يقوم بالقراءة بمعنى هل القارئ منخرط في نقابة ما؟ هل يوجد داخل التنسيقية الخماسية أم خارجها؟ مسألة أخرى على القارئ ان يحدد موقعه وخلفيته الإجتماعية بمعنى هل هو صاحب الرخصة ام مستغل للرخصة بعقد التفويض أم انه سائق مياوم؟ وأيضا على القارئ ان يكون على إطلاع بنسبة عالية على المذكرة المطلبية التي تقدمت بها التنسيقية الخماسية وأن يكون على دراية تامة بالوثائق الإدارية المنظمة للمهنة وكذلك مطلع على الواقع المعاش للمهنة والمهنيين مع تطلعاتهم المستقبلية.
مسألة أخرى جد مهمة وهي على القارئ أن يتحلى بالموضوعية وأن يتجرد من الذاتية. بمعنى إذا كان يمثل أحد مكونات التنسيقية الخماسية فهو مع(م إ) وإن كان خارجها فهو ضد(م إ) …
من الوهلة الأولى يتضح أن الهدف من كل تلك الوثائق وغيرها التي لازالت لم تفصح عنها وزارة الداخلية هو التنظيم والتأطير للقطاع من أجل خدمة الصالح العام للمهنة والمهنيين لكن حينما ندقق النظر ويتم عكسها على أرض الواقع يلاحظ أن تلك الوثائق في واد والواقع والممارسة في واد ثاني.
وهذا ما وضع القطاع حسب تصنيف وزارة الداخلية في خانة القطاعات الغير المهيكلة ويمكن الاستدلال على ذلك على سبيل الذكر لا الحصر، المنصة (كوفيد19) الخاصة بتسجيل المتضررين من الجائحة للحصول على المساعدات. حيث صنفت وأطلقت على كل المنتسبين للمهنة إسم وصفة السائق المياوم.
يتضح جليا أيضا أن هناك تباعد زمني في تاريخ صدور تلك الوثائق . وهذا يشير إلى وجود نوع من الإرتجالية. و هذا كان له نتائج سلبية تتجلى في عدم قدرة تلك الوثائق على تأطير وتنظيم القطاع بصورة عامة لأنها لا تعتبر قانون عام يؤطر المهنة وهذا وارد في الدورية الوزارية رقم 122(رغم وجود الإطار القانوني فإن تنظيم هذا القطاع لم يخضع لتنظيم عام يحدد قواعد التسليم والإستغلال ويؤسس للمراقبة التقنية والأخلاقية للمستغلين والسائقين). و ما تتميز به تلك الوثاىق أيضا التسويف والمماطلة والتلكؤ وذلك بالإقتصار والإعتماد فقط على إصدار دوريات وزارية بدل مرسوم وزاري أو على الأقل قرارات وزارية تضفي المهنية القانونية على المهنة حيث كان من الأحرى العمل على تنزيل الظهير الشريف 63 في إطار قانون عام ينظم المهنة يسلك القنوات والمؤسسات التشريعية بعد صدوره مباشرة.
بعد توقيع التنسيقية الخماسية (التنسيقية مكونة من النقابات الوطنية الممثلة لقطاع سيارة الأجرة المنضوية تحت لواء كل من: )CDT/UMT/UGTM/UNTM/FDT)
مع وزارة الداخلية ممثلة من طرف السيد الوالي الكاتب العام على محضر إتفاق يوم 22 فبراير 2021 هل يمكن ان نعتبر محضر إتفاق وثيقة ذات إضافة نوعية أم أن أنه مجرد زيادة طين الوثائق الإدارية السالفة الذكر بلة لسيما إذا أخذنا بعين الإعتبار مدة الحوار وأيضا تاريخ صدور آخر دورية وزارية (61) في هذا الشأن. أيضا ألا يمكن أن يكون مصير محضر إتفاق هو وضعه في رف النسيان وعدم التفعيل كما باقي الوثائق الأخرى. أيضا ألا يعتبر محضر إتفاق هو مجرد حقنة لتهدئة الوضع المتأزم والمتفاقم والذي يزيد من تأجيج الوضع الإجتماعي للمهنة والمهنيين ويدفعه للإنفجار في أي لحظة. تساؤلات عديدة يجب الإجابة عليها. وكملاحظة من خلال ما سبق لتأهيل المهنة ووضع إطار قانوني عام يهكلها لا ينقص الوثائق القانونية بقدر ما ينقصها التفعيل والتنفيذ لتلك الإجراءات.
ويمكن تناول محضر إتفاق هذا من عدة زوايا:
أولا: من الزاوية القانونية أي: هل لمحضر إتفاق علاقة وإمتداد قانوني للوثائق الإدارية السالفة الذكر رغم محدوديتها والنقص الذي تتميز به؟
ثانيا: من زاوية المذكرة المطلبية التي تقدمت بها التنسيقية الخماسية أي: ما هي نسبة الإستجابة وما هي نوعية المطالب التي تم الموافقة عليها؟
ثالثا: من زاوية الواقع المعاش وإنتظارات المهنيين. بمعنى هل من الممكن ان يلمس ويلاحظ المتتبع والمهني على السواء انه تم بالفعل إستقراء جيد للواقع وان مخرجات محضر إتفاق تعد قفزة نوعية نحو إخراج قطاع سيارة الأجرة من نفق اللانظام واللاتأطير؟
يمكن إضافة زاوية أخرى إنضافت بعد التوقيع على محضر إتفاق وهي: من خلال إستقراء البلاغ الأخير الذي صدر إثر الإجتماع الأخير للتنسيقية الخماسية حيث يتضح:
1 /أن المدة التي إستغرقها الحوار بالمقارنة مع قيمة المخرجات طويلة جدا لكن الملاحظ هو أن الحوار وكأنه لم يناقش فيه ما يجب أن يناقش وهذا واضح من خلال البلاغ حيث أن التنسيقية الخماسية قررت أنها ستراسل كل من وزارة الداخلية والسلطة القضائية ومجلس المنافسة في مواضيع سبق أن تقدمت بها في المذكرة المطلبية والمفروض أنها نوقشت أثناء الحوار.
2/ أن التنسيقية الخماسية لازالت تبحث عن المقترحات والحلول حيث جاء في البلاغ أنها ستقوم بلقاءات مع هياكلها التنظيمية جهويا للتحسيس بأهمية مخرجات محضر إتفاق وهذا كان عليها القيام به قبل التوقيع عليه.
عموما يتضح من خلال مخرجات محضر إتفاق أن نظرة التنسيقية الخماسية من جهة ووزارة الداخلية من جهة أخرى لم تتجاوز مرحلة ما قبل جائحة كورونا 2019 . وكدليل واضح على سبيل الذكر لا الحصر، حينما تم الإعتماد في توفير الحماية الإجتماعية للمهنيبن على القانون 98/15 بتاريخ 23/06/2017 المتعلق بإحداث نظام التأمين الإجباري لفائدة فئات المهنيين غير الأجراء. وأيضا على القانون 99/15 بتاريخ 05/12/2017 المتعلق بإحداث نظام المعاشات لفائدة فئات المهنيين غير الأجراء. في الوقت الذي كان على المتحاورين الإقتداء برئيس الدولة ملك البلاد في طريقة عمله ونظرته الإستباقية في التفكير لما بعد الجائحة وهذا معبر عنه جليا في عدة خطوات منها على سبيل المثال الإسراع إلى تأسيس لجنة اليقظة بصفة خاصة. وعموما كان بالأحرى على الأطراف المتحاورة أخذ بعين الإعتبار الخطابين الملكيين لسنة 2018 و 2020 بمناسبة عيد العرش وأيضا القانون 09/21 الذي تمت المصادقة عليه في البرلمان. وعموما لا يمكن لعاقل أن ينكر وأن لا يعتبر الجائحة بمثابة سكانير حقيقي أبان عن الخلل الذي يزيد من تأزيم وضع المهنة والمهنيين. ويمكن المساهمة بقراءة أولية بسيطة لمحضر إتفاق على النحو التالي:
1 – من الناحية الشكلية:
في مقدمة محضر إتفاق يلاحظ عدم ذكر التنسيقية الخماسية كمؤسسة نقابية محاورة لوزارة الداخلية واكتفت فقط بذكر الهيآت النقابية دون تحديد أسمائها الممثلة لمهنيي قطاع النقل بواسطة سيارة الأجرة بالإضافة إلى الإقتصارعلى ذكرها كباقي الهيآت التي إجتمعت مع الداخلية وقد تم ذكر أسماء مكونات التنسيقية الخماسية فقط عند التوقيع على محضر إتفاق وهذا يدل على أن الوزارة إجتمعت مع أطراف أخرى ممثلة للمهنيين وكذلك أن التوقيع على محضر إتفاق متاح لكل من حضر الإجتماعات بمقر وزارة الداخلية تحت رئاسة السيد الوالي الكاتب العام لوزارة الداخلية وهذا دليل على أن التوقيع على محضر إتفاق ليس بامتياز لأي هيئة نقابية.
وهذا في إعتقادي يعتبر تصغير لدور وقيمة التنسيقية الخماسية على إعتبار أنها أكثر تمثيلية للمهنيين وأن لها تواجد نقابي مهم يتمثل في توفرها على مظلات نقابية وطنية ومركزية.
إشارة أخرى يمكن ملاحظتها وهي عدم ذكر في محضر إتفاق ما يفيد كيفية وتاريخ تنزيل مضامينه.
2 – من ناحية المضمون:
١ – البنذ الأول والثاني، مضمون كل ما ورد فيهما يعتبر تكرار لما جاء في الدوريتين الوزاريتين رقم 61-16 وكان من الأحرى التركيز على تفعيل الدورتين بدل الإكتفاء بإعادة صياغتهما خصوصا أنهما لا يفعلان ولا يطبقان في أغلب الأقاليم تطوان نموذجا إن لم تكن كلها.
٢ – البنذ الثالث، يلاحظ ورود مصطلحات جديدة على المهنة من قبيل عقود كتابية نموذجية، السائق المساعد، السلطات الإقليمية. وهاته الأسماء لا نجد لها أثر في المذكرة المطلبية للتنسيقية الخماسية ولا حتى في لغتها الحوارية سواء داخلية أو خارجية. وكان من الأجدر على التنسيقية الخماسية الدفع في إتجاه تثبيت الهوية المهنية القانونية كما ورد في إتفاقيتي الشراكة.التي منحت للمشتغلين بسياقة سيارة الأجرة صفة السائق المهني بعد حصوله على البطاقة المهنية. وأيضا كان من الأجدر الدفع بإخضاع العلاقة ما بين السائق المهني كطرف وصاحب رخصة نقل الأشخاص عبر سيارة الأجرة كمستغل مباشر أو صاحب عقد الإستغلال للرخصة بالتفويض كطرف ثاني إلى قانون الشغل بدل الإقتصار على عقود كتابية نموذجية لا ندري محتواها ومضمون بنوذها . كان أيضا حري بالتنسيقية الخماسية الدفع بالتصريح بالسائق المهني في صندوق الضمان الإجتماعي بدل التصريح به لدى السلطات الإقليمية التي لا ندري ما المقصود بها هنا في محضر إتفاق.
بالإضافة إلى ماهية تلك العقود ومحتوياتها ومضامينها هناك سؤال آخر جد مهم ومحوري وهو ماذا سيترتب عن تلك العقود النموذجية من حقوق وواجبات؟
٣ – البنذ الرابع، يلاحظ أيضا ورود مصطلحات غير واردة في المذكرة المطلبية للتنسيقية الخماسية من قبيل(الشخص الذاتي والشخص المعنوي). وتجدر الإشارة هنا أن الوثائق و المراجع الإدارية خصوصا الدورية الوزارية رقم 122 لم يرد فيها مثل هاته المصطلحات بل ورد فيها مصطلح الشخص الطبيعي المراد به هو ذاك الشخص الذي يريد استغلال رخصة نقل الأشخاص عبر سيارة الأجرة . هذا من جهة من جهة أخرى وبخصوص الشخص المعنوي وفي مقابله فقد تطرقت إلى إمكانية السماح للشركات الولوج للإستثمار في قطاع نقل الأشخاص عبر سيارة الأجرة. والمفارقة انه لا المذكرة المطلبية ولا محضر إتفاق يشيران إلى الشخص المعنوي بالصيغة والمفهوم الذي ورد في الدورية الوزارية رقم 122، كذلك الشأن بالنسبة للشخص الذاتي. مما يسمح القول أن هذا البنذ يحمل في طياته بل يؤكد على تكريس الريع. حينما يساهم في وجود طرف ثالث (مول الشكارة،الذي أسميه السرطان الذي أصاب الجسم المهني الذي دخله من الباب الشرعي بمال – الحلاوة – غير قانوني لأنه على الأقل لا يتم التصريح به…) ما بين صاحب الرخصة والسائق المياوم وكذلك أهمل صيحات المهنيين التي تعبر عن معاناتهم من ويلات هذه المعضلة الإقتصادية المخالفة للمقتضيات الدستورية و كذلك ما يعانونه جراء عدم تفعيل الدورية الوزارية رقم 122 كأضعف الإيمان.
٤- البنذ الخامس، مطلب كان قد تقدم به المهنيين إبان اللقاءات والإجتماعات التي نظمتها عمالات الأقاليم مع الهيئات النقابية والجمعوية سنة 2011 . والتي كان من المفروض ان يكون قد تمت الإستجابة لهذا المطلب في الدوريتين الوزاريتين 16 و 61. ولكن وكقراءة نقدية لهذا المطلب وإن كان يظهر أنه موضوعي في تلك الفترة على إعتبار أنه كمقدمة لمرحلة انتقالية نحو الحرفية المهنية إلا أن الواقع أثبت العكس نظرا لتحكم الداخلية في القطاع والتي تشير كل المعطيات أنها لا تريد الإنتقال بالمهنة والمهنيين نحو الحرفية المهنية. وبالتالي كانت فرصة الحوار لدى التنسيقية الخماسية متاحة للدفع بالقطاع نحو الحرفية المهنية وذلك بالمطالبة بالقطع مع والحد من الممارسات المخالفة للمقتضيات القانونية المضمنة في الدورية الوزارية رقم 122.
٥ – البنذ السادس، ليس هناك من صعوبات في العقد النموذجي أكبرمن عدم تفعيل الدوريتين الوزاريتين 61 و16. وقد زاد من عدم تفعيل العقد النموذجي معاناة السائق المياوم من جراء إرتفاع سومة الحلاوة بسبب جشع أصحاب الرخص حيث أصبحوا يطالبون من رفع ثمن الحلاوة من جهة ومن جهة أخرى رفع مول الشكارة الروسيطا رغم قلة المدخول. وهذا ما زاد من معانات السائق المياوم لأنه هو من يوجد في الواجهة وهو من يتحمل أعباء تلك الزيادات الغير قانونية.
٦ – البنذين السابع والثامن، فيما يعود إلى هذين ما علينا إلا الرجوع إلى الدورية الوزارية رقم 122 وتفعيلها مع التأكيد على ضرورة إمكانية تحيين الشروط والضوابط التي جاءت بها عموما ومن بينها ما يتعلق بضبط عدد السائقين الذين يريدون مزاولة سياقة سيارة الأجرة وأيضا فيما يتعلق بضبط شروط ولوج المهنة.
وتجدر الإشارة هنا بخصوص ما يتعلق ببرنامج دعم تجديد أسطول حضيرة سيارات الأجرة يمكن القول أنه بمثابة زيادة الشحم في ظهر المعلوف حسب المثل الشعبي المغربي لماذا؟
من خلال المؤشرات الواقعية والملموسة لم يعد هناك من المستغلين المباشرين لرخص النقل عبر سيارة الاجرة إلا القليل إن لم يكد يكون وجودهم منعدما وهذا كان له الأثر السلبي على عدم ولوج المهنة إلى الحرفية المهنية على الأقل مرحليا بسبب فتح المجال لكراء الرخص وفي بعض الأحيان بيعها. وهذا محرم قانونا ( لأن الرخصة لا تقبل التفويت بأي حال من الأحوال)، مما كان له من النتائج السلبية الكبيرة و فتح الباب امام المستغلين عن طريق التفويض لغير المهنيين (مول الشكارة) ولوج المهنة من غير بابها الشرعي مستغلين في ذلك ضعف الإجراءات القانونية وكذلك غياب المنافسة الشريفة وتكافؤ الفرص مستعملين المال الغير القانوني( لأنه لو كان قانوني لتم التصريح به علانية لدى المصالح المختصة) منتهكين بذلك حق السائق المياوم في إبرام العقد النموذجي وفق الدوريتين 61/16. والسؤال هنا كيف يمكن تقديم دعم لمن يتوفر على مال الحلاوة التي وصل ثمنها في بعض المناطق تطوان على سبيل المثال إلى 40 مليون سنتيم. وكان لهذا الدعم أثر جانبي سلبي آخر على السائق المياوم حيث أصبح مهدد بالطرد من العمل إذا لم يستجب لرفع الروسيطا بحجة ارتفاع التكاليف.
وأيضا تجدر الإشارة هنا وهذا يُؤسِف حقيقة هو عدم تطرق محضر إتفاق إلى تفعيل قانون دعم الغازوال. رغم أن التنسيقية الخماسية تقدمت بهذا المطلب لكن مع الأسف الشديد لم يتم التطرق إليه. هذا ما يؤكد أيضا أن وزارة الداخلية في حوارها مع الهيئات التمثيلية للمهنيين كانت سيدة الموقف بحيث مررت كل تريد تمريره وأن الطرف المحاور كان مجتهد فقط في الإنصات.
فيما يتعلق بتنزيل منظومة التغطية الصحية والمعاش وتفعيل القانونين 98/15 و99/15 لسنة 2017 يتضح :
1- أن التنسيقية الخماسية لا تتابع المستجدات ولا علم لا بها خصوصا خطب الملك لسنة 2018 و 2020 بمناسبة عيد العرش في تطرقه لضرورة توفير الحماية الإجتماعية كاملة غير منقوصة للقطاع الغير المهيكل وايضا يتضح انه لا علم لها بالقانون رقم 09/21 الجديد المتعلق بنفس الموضوع.
2- التساؤل هنا هو كيف يمكن ان تقبل التنسيقية الخماسية حسب محضر إتفاق أن تتحمل مسؤولية تحسيس وتوعية المهنيين بجدوى هاذين القانونين رغم انهما لا يوفران جميع الخدمات والإمتيازات التي يقدمها الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي لمنخرطيه لسيما المنحة الخاصة بالتعويضات العائلية وكأن المهنيين غير كاملي الوطنية او انهم مغاربة من درجة ثانية.
3- الطامة الكبرى هي أن التنسيقية الخماسية ظهرت مرتبكة وغير منسجمة مع مواقفها وذلك تارة حينما رفضت القانونين إلا إذا تم تعديل بعض بنوذه. وتارة حينما سارت في هذا الموضوع في الإتجاه المعاكس لجل إن لم يكن لجميع المهنيين حينما عبروا بوضوح تام عن رفضهم للقانونين المشؤومين في مناسبات عدة خصوصا في اللقاءات الجهوية التي نظمتها معهم وزارة الداخلية بمقرات العمالات وكذلك في جميع مواقع التواصل الإجتماعي.
وتجدر الإشارة هنا أن وزارة المالية في القانون المالي لسنة 2021 بدأت بتفعيل القانونين ضدا على رغبة المهنيين حيث أطلت بإجراء شكَّل صدمة كبيرة للمهنيين والمتعلقة بالمساهمة المهنية الموحدة. حيث أبانت إجراءات التصريح الضريبي أنه يميز ما بين المهنيين، واقتصر فقط على أصحاب رخص النقل عبر سيارة الأجرة وأصحاب عقود الإستغلال بالتفويض أما السائق المياوم فلا أثر ولا وجود له.
فيما يتعلق بتصريح وزارة الداخلية حسب ما جاء في خاتمة محضر إتفاق أنه “سيتم العمل على تفعيل التدابير والإجراءات المتوافق عليها…” من الملاحظ انه لم يتم الإشارة لا من قريب ولا من بعيد إلى متى وكيف سيتم ذلك. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على سياسة الهروب إلى الأمام تارة وإلى الوراء تارة أخرى التي تنهجها مع المهنة والمهنيين في تملص صارخ ومكشوف من إلتزاماتها والواقع خير دليل على ذلك من خلال عدم تفعيل الدوريات الوزارية من زمن بعيد… فبالأحرى محضر إتفاق ربما بل أكيد هو ضرب من الخيال.
خلاصة القول:
محضر إتفاق ومخرجاته عبارة عن صراع ما بين صاحب الرخصة كطرف أول وإن كان لا يظهر في الصورة فهو موجود بإسم الداخلية بحيث هي المتحكمة سواء من بعيد او قريب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في وضع شروط الإستغلال ما بين صاحب الرخصة من جهة وصاحب عقد الإستغلال بالتفويض حيث أضحى هذا الأخير مبرمج فقط للمطالبة بحذف الحلاوة التي هو في البداية من زايد على اخيه في المهنة ليستفيذ أكثر والذي كان السبب في فتح المجال لمول الشكارة ولوج المهنة بالإضافة إلى مطالبته توفير شروط إستمرارية العقود. وهذا ما يكرس نظام الريع في القطاع بدل العمل على تضييق الخناق عليه في أفق القضاء عليه.
محضر إتفاق هو نتاج عن عدم تكافؤ المواقع والقوة لكل من التنسيقية الخماسية كجهة أولى محاورة ضعيفة سواء على مستوى التفاوض (الأخذ والعطاء) او على مستوى المناورة. ووزارة الداخلية كجهة ثانية كقوة واحدة متماسكة قوية على جميع المستويات.
محضر إتفاق خليط من المطالب بمعنى ليس لها بوصلة مهنية إجتماعية متجانسة او على الاقل ليست مطالب منسجمة ومتماسكة وبالتالي تعتبر مطالب فئوية يغلب عليها مطالب فئة أصحاب عقود الإستغلال بالتفويض على حساب مطالب فئة السائق المياوم . وهذا ناتج عن الخلط الحاصل في الخلفية الهوياتية الإجتماعية (صاحب الرخصة، المستغل بالتفويض والسائق المياوم).
من خلال مخرجات محضر إتفاق يتضح أن التنيسقية الخماسية لم تستغل القوة الرمزية الكامنة في تواجدها تحت لواء مركزيات كبيرة وقوية لها تواجد مؤسساتي تشريعي. وايضا لم تستغل القوة المادية التي تمتلكها كتنسيق خماسي.
من خلال مخرجات محضر إتفاق أنها ستيزيد الطين بلة وسينتج عنه المزيد من عزوف المنتسبين للمهنة عن الإنخراط في العمل النقابي. وكذلك المزيد من الفرقة والشتات والمزيد من تفريخ الهيئات الجمعوية والنقابية التي تزيد من هشاشة الجسم النقابي.
مخرجات محضر إتفاق بالمقارنة مع المذكرة المطلبية للتنسيقية الخماسية تدل على أن نسبة الإستجابة لها ضعيفة جدا وهذا يوضح أنها مجرد إملاء خارجي وأن التوقيع عليه هو توقيع إذعان.
مسألة أخرى جد مهمة وهي أن مخرجات محضر إتفاق أبانت أن قيادات التنسيقية الخماسية مع الأسف أثبتت أنها ليست بقيادة بل أن هناك من يقودها من خارج الهياكل التنظيمية التي تمثلها. بل الأدهى والأمر هو أن التوقيع على محضر إتفاق كان دون الرجوع إلى الهياكل التنظيمية. وهذا يعد خرق صارخ للقوانين التنظيمية ومخالف للمنهجية الديمقراطية.
من خلال مخرجات محضر إتفاق يتضح أنها عبارة عن مساهمات فئوية تكرس الريع ولا تستند على المرجعية والخلفية الدستورية ولا تؤسس لرؤية إستراتيجية مستقبلية للمهنة والمهنيين تؤسس لرؤية إجتماعية عادلة تقوم على وضع حد لإستغلال النفوذ والإمتياز ووضع حد للمارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الشريفة والمشروعة لضمان تكافؤ الفرص للجميع وتحقيق الرعاية خاصة للفئات الإجتماعية الهشة والأكثر ضررا (السائق المياوم) للمساهمة في تحقيق تنمية بشرية مستدامة.
ومن بين الأسئلة الت أرى أنها مهمة في هذا المقام هي:
هل يعتبر محضر إتفاق إضافة في سلة الوثائق الإدارية المنظمة للقطاع؟ وهل هي نوعية أم كمية؟
ما مدا قانونية محضر إتفاق؟
مصلحة أية جهة يخدم محضر إتفاق؟
إن المتتبع القريب من المهنة والمهنيين يلاحظ دون أدنى صعوبة أن الإشكال الأكبر لا يوجد في الداخلية ولا في النقابة وأطرها ولا في المهنة والمنتسبين إليها وإنما يكمن في العقلية التي يدار بها الإشكال، وفي كيفية التدبير ومباشرة البحث عن الحلول. وبالتالي الكل أصبح مطالب بالبحث عن طرق جديدة غير التقليدية بالنظر وقراءة مشاكل القطاع لفسح المجال أمام البحث عن حلول أكثر موضوعية تبدأ من الذات وتنتهي الى الموضوع.
1 – على مستوى الذات:
– بقدر ما كانت الذات قوية ومتماسكة ومنسجمة بقدر ما يكون تفاعلها مع القضايا والتفكير فيها بطريقة صحيحة وعلمية وقانونية …
– ضرورة إعادة التفكير في الهيكلة التنظيمية للتنسيقية الخماسية ومكوناتها وفي طريقة إشتغالها وإعداد وثائقها وبرامجها وفق قدراتها المادية والمعنوية. بحيث على التمثيليات الخروج من جلباب الشخصنة والذاتية (الشيخ والمريد) باعتماد تنظيمات مؤسساتية بآليات وهياكل تنظيمية شفافة مسؤولة ديمقراطية.
– ضرورة تحديد الهوية الإجتماعية النقابية للقواعد التي تمثلها مكونات التنسيقية الخماسية بحيث من خلال الواقع والممارسة يتضح جليا أن هناك ثلاث فرقاء يكونون القواعد المشكلة للمنتسبين للمهنة والقطاع وهي:
صاحب الرخصة، صاحب عقد الإستغلال بالتفويض والسائق المياوم. وهؤلاء الفرقاء لكل فئة إجتماعية مصالحها ومطالبها الخاصة بها وعليه لا يمكن أن يتواجدوا تحت سقف نقابي واحد إلا إذا كان هناك توافق على مطالب تحدد نقط الالتقاء والتشارك.
2 – على مستوى الموضوع:
– ضرورة إعادة صياغة المذكرة المطلبية بحيث تأخذ بعين الإعتبار الوثائق الإدارية خصوصا الظهير الشريف 63 والتأكيد هنا على مطلب تعديله وتتميمه وأيضا الدورية الوزارية 122 كخلفية ومرجعية قانونية مرحلية قانونية نحو أفق إصلاح شامل حداثي تنموي يفسح المجال للمهنة والمهنيين ليكونا رافد من روافد الإقتصاد الوطني.
– أقترح على التنسيقية الخماسية إطلاق مبادرة تنظيم يوم أو أيام دراسية من جهة فيما بين مكوناتها بهياكلها التنظيمية بهدف وضع تصور واضح المعالم ومن جهة أخرى العمل على ان تكون المبادرة بمشاركة الدولة بهدف الخروج بتوصيات إستراتيجية مشتركة.