“الداخلية” تتعاطى مع شركات النقل عبر التطبيقات الذكية بسياسة “العصا والجزرة”

طاكسي بريس متابعة

بينما يستمر الصراع بين مهنيي النقل المرخص لهم والشركات الموفرة لخدمة النقل عن طريق التطبيقات الذكية، أبدت وزارة الداخلية قلقَها إزاء العمل الذي تقوم به الشركات العاملة في هذا المجال، سواء من الناحية الأمنية، حيث تتم الاستعانة بعربات وبسائقين غير مرخّص لهم بتقديم خدمة النقل، أو من الناحية الاقتصادية، حيث تذهب العائدات التي تجنيها الشركات إلى الخارج، باعتبارها شركات أجنبية، دون أي مردود مالي على خزينة الدولة.

وتنبع المخاوف التي تطرحها شركات خدمة النقل العمومي عن طريق التطبيقات الذكية، أساسا، من صعوبة التعامل مع هذه الشركات، من الناحية القانونية لكونها غير معروفة، إذ تُحدث مقراتها الرسمية في أماكن تسهّل مزاولة بعض الأنشطة، إضافة إلى المشكل الذي تطرحه على مستوى سلامة وأمن المواطنين، لا سيما وأن أغلب مستعمليها من المراهقين والشباب، حيث يتم التعامل مع سائقين غير معروفين لدى السلطات.

نشاط غير مُرخّص

أوضح خالد العتابي، مدير تنسيق الشؤون الاقتصادية بوزارة الداخلية، أن أغلب الشركات التي تنشط في مجال تقديم خدمة النقل عبر التطبيقات الذكية تعتمد أساسا على سائقين غير مهنيين وعلى مَركبات ووسائل نقل خاصة ولا تتوفر على إذن أو ترخيص بمزاولة أنشطة نقل الأشخاص أو الوساطة في مجال النقل.

ويطرح نشاط شركات النقل عبر التطبيقات الذكية بالنسبة لوزارة الداخلية جملة من التساؤلات، تهم طبيعة العلاقة بين هذه الشركات وسائقي السيارات والزبائن، ومدى احترامها لحقوق المستعملين، في حال وقوع حادثة سير، أو اعتداء السائق على الزبون، مثلا، ومدى احترامها لشروط سلامة الأشخاص والممتلكات، ومدى احترام المنافسة الشريفة مع باقي مقدمي خدمة النقل العمومي في المملكة.

وقال مدير تنسيق الشؤون الاقتصادية بوزارة الداخلية، خلال يوم دراسي نظمته رئاسة النيابة العامة حول الاستراتيجية الوطنية للسلامة الطرقية، إن النشاط الذي تمارسه شركات النقل عبر التطبيقات، سواء في المغرب أو في باقي البلدان، يطرح إشكاليات ذات أبعاد قانونية وحقوقية واقتصادية واجتماعية.

ولفتَ إلى أن الأصل، كما هو معمول به في مختلف البلدان، أن تخضع خدمات النقل لنظام الترخيص المُسبق من طرف السلطات، سواء بالنسبة للمركبات أو السائقين، وشركات الوسطاء بين الزبائن والناقلين، للتأكد من توفُّر الشروط والمعايير المطوبة فيها، بما يمكّن من تتبع مدى التزامها بشروط السلامة، وحماية حقوق الزبائن والسائقين العاملين معها.

تنبيهات بدون جدوى

وبخلاف ما هو رائج بشأن غياب إطار قانوني ينظم عمل شركات تقديم خدمة النقل عبر التطبيقات الذكية في المغرب، أفاد العتابي بأن هناك إطارا قانونيا يضمن توفير شروط ملائمة وقانونية من الظهير الشريف لعام 1963، ومدونة السير، إضافة إلى التنظيم القانوني لعمل سيارات الأجرة، الذي يدبّره الولاة والعمال، لافتا إلى أن اختصاصاتهم تخول لهم تنظيم قطاع سيارات الأجرة، إضافة إلى مجال ربط الاتصال الذي تقوم به شركات النقل عبر التطبيقات، لافتا إلى أن عددا من القرارات العاملية صدرت بهذا الخصوص.

ويبدو أن السلطات المغربية تواجه صعوبات كبيرة في ضبْط عمل شركات النقل عبر التطبيقات الذكية، حيث سبق أن تقدمت إحدى الشركات بطلب ترخيص للعمل بشكل قانوني مع أصناف النقل المنظم، وذلك عن طريق الاشتغال مع السائقين المهنيين، وحصلت على ترخيص من السلطات وبدأت عملها رسميا مع سائقي سيارات الأجرة الصغيرة والكبيرة، إلا أنها سرعان ما التحقت بدورها بالشركات العاملة بدون ترخيص، بسبب عدم احترام الشركات الأخرى لمبدأ المنافسة الشريفة.

وكشف مدير تنسيق الشؤون الاقتصادية بوزارة الداخلية أن السلطات المحلية وجهت تنبيهات إلى الشركة الأولى الذي دخلت إلى المغرب لتقديم خدمة النقل عبر التطبيقات الذكية، وطرَح الأمر جدلا قانونيا، حيث ردت الشركة بأن العمل الذي تقوم به ينحصر في الوساطة بين الزبائن والسائقين عبر التطبيقات الذكية، وأنها لا تتحمل أي مسؤولية قانونية.

واعتبر المتحدث ذاته أن الردّ الصادر عن الشركة الأجنبية “مسألة متجاوزة، لأن مختلف الدول التي تشتغل فيها هذه الشركات عالجت هذا الموضوع، وكيّفت عملها على أساس أنها فاعل في مجال النقل”، مضيفا: “حين يلجأ الزبون إلى خدمة النقل عبر التطبيقات الذكية، فإنه يعرف اسم الشركة مقدمة الخدمة، ولا يعرف السائق الذي سيُقلّه. وبالتالي، فإن التذرع بأن الخدمة تتم عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة، متجاوزة قانونيا وعمليا”.

المسؤول ذاته أردف بأن عمل الشركات المذكورة يخلق إشكالات مختلفة؛ فعلاوة على كون عملها فيه تجاوز لعدد من المقتضيات القانونية، فإنه يطرح أيضا إشكالا على المستوى الأمني، حيث يصعب إخضاعها للمراقبة الفعلية من طرف السلطات المختصة، ويجعلها وضعها الحالي تُخلي مسؤوليتها أمام السلطات العمومية وأمام الأشخاص المستفيدين من خدماتها.

إجراءات مستقبلية

وفي الوقت الذي يتزايد فيه عدد المواطنين المغاربة الذين يتنقلون عبر وساطة شركات التطبيقات الذكية، ويرون أن هذه الخدمة تسهّل عملية التنقل، فإن وزارة الداخلية تنظر إلى الموضوع من زاوية أخرى، إذ قال العتابي: “حين يقع مشكل يسائل المواطن السلطات عن عدم حمايته ولماذا تركت الشركات تشتغل وهي لا توفر لهم الحماية القانونية والجسدية”.

إشكال آخر يثير قلق وزارة الداخلية، يتعلق بعدم التأكد من كفاءة السائقين العاملين مع شركات تقديم خدمة النقل عبر التطبيقات الذكية، ومدى توفرهم على الشروط الضرورية، بخلاف سائقي سيارات الأجرة، حيث يتوفر كل سائق على وثائق مسلمة من قبَل السلطات تتيح متابعته في حال سُجلت شكاية ضده.

ولا تُبدي وزارة الداخلية معارضتها لنشاط الشركات مقدمة خدمة النقل عبر التطبيقات الذكية، لكنها تطالبها بتسوية وضعيتها القانونية، والامتثال لشروط مزاولة الأنشطة المتعلقة بالنقل العمومي المعمول بها في المغرب. وأكد العتابي في هذا الصدد أن الوزارة وجهت مراسلات إلى الشركات المعنية.

وتتعاطى وزارة الداخلية مع الشركات المذكورة بسياسة “العصا والجزة”، فبقدر ما ستتعامل بصرامة مع الشركات المخالفة للقانون، فإنها ستشجع نظيرتها التي ترغب في تسوية وضعيتها القانونية.

وتستعد الوزارة لاتخاذ عدد من الإجراءات ذات طابع استعجالي من أجل الحد من “الممارسات غير القانونية في مجال النقل غير المرخص بواسطة التطبيقات الذكية، وتشجيع ودعم بعض الشركات”، إضافة إلى القيام بحملات تحسيسية لتوعية المواطنين بمخاطر النقل غير المرخص.

وتتضمن الإجراءات التي ستطبقها الداخلية، بحسب ما جاء في العرض الذي قدمه مدير تنسيق الشؤون الاقتصادية بالوزارة، العمل على تفعيل المساطر القانونية والإدارية والقضائية تجاه الشركات التي تقدم خدمة النقل عبر التطبيقات الذكية، ومواكبة الشركات التي ترغب في تسوية وضعيتها وتقديم خدماتها بصفة قانونية، واحترام المقتضيات القانونية المتعلقة بمجال النقل.

وفي المقابل، ستعمل الوزارة على تشجيع اعتماد التكنولوجيات الحديثة وأنظمة الاتصال لتحسين خدمات النقل المقدمة من طرف الشركات ومهنيي النقل المرخص لهم، والملتزمين باحترام القوانين والأنظمة الجاري بها العمل في المغرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock