حتى نستطيع … نناضل ، نحتج

عبد السلام أكدي

كما يعلم الجميع أنه في الدول الديمقراطية في جميع أنحاء العالم ما أن تخرج جماعة ما من مواطنيها الى الشارع للاحتجاج والتعبير عن موقف ما من قرار ما أو قانون ما أو حتى مشكل ما ، ومهما كان حجم أو انتماء أو توجه الجماعة المحتجة إلا وسارعت الجهات المسؤولة والمختصة في بلدانها إلى احتواء الوضع وبحث سبل حل الأزمة مهما كانت حدتها لا لشيء سوى لأن مواطنيها يتمتعون بكافة حقوقهم ، وأصواتهم لها قيمة كبيرة وتسمع باعتبارهم “دافعي الضرائب” وهم من يتكلفون باختيار من يمثلهم ويدافع عنهم لدى الدوائر المسؤولة وأمام صناع القرار عندهم ، كما أن أصواتهم تلك تعتبر عملة غالية عند السياسيين جميعا وفيصلا وحكما يمكن أن يعاقبهم أو يزكيهم سياسيا فلا يمكن إغفالها أو تغافلها أو إهمالها أو تجاهلها ، ومن تم يتم الإستجابة فورا أو بعد حين لمطالبهم التي خرجوا للاحتجاج طلبا لها ودون تردد أو مساومة أو مزايدة تماطل ،

أما عندنا في المغرب ، الدولة السائرة في طريق النمو ، أو الدولة التي يمكن تصنيفها ضمن الديمقراطيات الصاعدة ، فلا وجه للمقارنة بخصوص الاحتجاج وما يدفع إليه وما يترتب عنه ولا من حيث كيفية التعاطي معه والتفاعل مع مطالب المحتجين أيا كانت تلوينات وتوجهات الجهة الحاضنة والداعية لهذا الاحتجاج ، وما يحصل في بلدنا من احتجاجات على مدار السنة وفي جميع مدن المملكة والتي همت جميع القطاعات والوظائف ولم يستثن أي منها إلا دليل على اتساع الهوة بين القمة الممثلة في الجهات المسؤولة والحاكمة والقاعدة وهي فئة المتضررين المحتجين ، وهم نفسهم من وقع كثير منهم على صك التفويض وفوض المسؤولية للجهات الوصية بتصويتهم لفائدتها وانتخابها سياسيا ، وبالتالي يقوم جفاء وجحود ونكران الساسة مقام وفائهم ورد الجميل لهم والتزامهم الأخلاقي والسياسي بينهم كرأس للهرم الحاكم وسافلته يترتب عنه فقدان الثقة بينهما والدفع بالفئة المصوتة والناخبة إلى الإحساس بالغبن والخذلان والنفور يعقبه قناعة بعدم جدوى تصويتهم ومشاركتهم في الاستحقاقات النيابية ، ومن تم عزوفهم عن الإنخراط والمشاركة في الفعل السياسي برمته ،

لعل كثرة الاحتجاجات ونوعيتها وطبيعتها بالمغرب فاقت كل الحسابات والتوقعات ، ولم يخل قطاع بالمغرب من احتجاجات منتسبيه سواءا في القطاعات الحكومية أو شبه الحكومية أو في القطاعات الخاصة ، لكن القاسم المشترك بينها هو طريقة تعامل الدولة والحكومة معها ، وطرق تدبيرها ومعالجتها للأزمات المتمخضة عنها ، وبدل بحثها عن مخارج لها بإيجاد حلول لها في إطار تشاركي وبناء تلجأ في كثير من الأحيان إلى نهج سياسة الآذان الصماء والعيون العمياء وإلى التجاهل والهروب إلى الأمام أو إلى الخلف ، واللعب على عنصر الوقت واستغلاله لفائدتها تفاديا للإحراج وتجنبا للخضوع لمطالب المحتجين وتلبيتها ، وأحيانا أخرى تعمد الى استعمال خلاياها وكتائبها وألويتها الداعمة لها والمؤيدة لشخوصها والتابعة لها أكثر من هيئاتها وسياساتها للضرب في ادعاءات المتظاهرين والمحتجين وإن كان من بينهم فصائلهم ، والتشكيك في تظلماتهم وشكاويهم ومطالبهم وخلق البلبلة والفتنة بينهم وزعزعة صفوفهم وخلخلة مواقفهم وغالبا ما تتمكن من تحقيق غاياتها وأهدافها بدل تحقيق غايات وأهداف المحتجين ، وقد تعمد لاستعمال القوة والتعنيف والترهيب لبسط رأيها وموقفها والنأي عن التفاعل الإيجابي مع نبض الشارع المحتج ، وأيضا تشجع على خلق كيانات وإطارات بديلة عبارة عن كائنات طفيلية وهلامية وحربائية وأحيانا وهمية لا تحمل إلا أسماء وعناوين قد لا يعرفها حتى أصحابها وتابعيهم وخواتم قابلة للاستعمال كلما طلب منهم ذلك فقط للتأثير على مواقف الإطارات المحترمة وتمييع نضالاتها وتحجيم احتجاجاتها ،

وإذا ما أسقطنا الأمر على قطاع سيارات الأجرة بالمغرب كمكون من مكونات قطاع النقل والذي يتسم بخصوصية جد حساسة ومعقدة ويهاب جانبه ، تعمد الجهات الوصية والمسؤولة والمتحكمة إلى تكريس وضعه الشائك والمتشعب والمريض ، خاصة وأنه قطاع غير مهيكل وغير منظم تحكمه كثير الاعتبارات ، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا ، مما يبقيه غارقا في بحر من المشاكل التي لا حصر لها ، وهي كفيلة بأن يصنف كأكثر القطاعات التي تدفع وضعيته ومعاناة المنتسبين إليه ليكون الأكثر احتجاجا وصخبا ، والأكثر تأثيرا باحتجاجاته وإضراباته على صيرورة المجتمع ككل ، لما له من علاقة وطيدة ومؤثرة في نسيجه المجتمعي ومحيطه العام ، ولذلك فإن هذا القطاع يبقى كأوضح مثال وأنصع صورة لكيفية تعامل السلطات والجهات المسؤولة والوصية مع مسألة الإحتجاج والتظاهر والإضراب ، ولعله دليل أنه ولسنوات طوال ، ورغم تعدد الهيئات الممثلة له وتفاوت قوتها وحضورها في الميدان وحمولة بعضها التاريخية والسياسية والمجتمعية ، إلا أن الوضع مازال متسما بالتردي والإضمحلال ، والأفق كلما انفتح قليلا ازداد ضيقا ، وازداد معه إحباط العاملين به ورموزهم وقياداتهم المناضلة ، فقط لشيئين أولهما غياب إرادة حقيقية لإصلاحه ومراجعة وتصحيح منظومته في إطارها الشمولي والجذري ، وثانيهما غياب رؤيا واضحة عند كثير من الهيئات المهنية اتجاه الإصلاح وغياب برامج وبدائل وأطروحات ومخططات من جانبها ، وافتقادها لمنهجية العمل والنضال كفيلة بفرض نفسها وتمرير مطالبها التي لا تحيد عن مطلبي ” تنظيم المهنة وتقنينها ، وحماية السائقين المهنيين العاملين بها ” ، وتزداد الصورة قتامة ويساعد على تشجيع السلطات على مضيها في سياساتها اتجاه القطاع ، تشرذم هيئاته وقياداته وفصائله وخلافاتها الشخصية أكثر منها التنظيمية أو المهنية وتناحرها وتسابقها لتحقيق مكاسب معينة على حساب بعضها البعض ناهيك عن غياب استراتيجية مضبوطة وواضحة لاشتغالها ولنضالها في الميدان وأمام السلطات ، مما يجعل احتجاجاتها أحيانا فاقدة للمعنى وغير ذات جدوى ،

إنه آن الأوان لتعترف الدولة ومن خلالها الحكومة بأخطائها في تدبير شؤون القطاع كمرفق عام ومهم وعدم احتوائها لأزماته وتصحيح اختلالاته وتنظيمه ، وليس عيبا أن نعترف من جانبنا – نحن مهنيو قطاع سيارات الاجرة بالمغرب ومناضلوه وقياداته وكوادره – أننا قد فشلنا في مشروعنا النضالي التقليدي ولم نحقق منه وبه إلا القليل مما ناضلنا لأجل تحقيقه لعقود من الزمن ، وما حققناه لم يرق لطموحاتنا وآمالنا جميعا لأسباب متعددة وكثيرة وجب علينا الآن مراجعتها وتصحيحها ، أولها الإعتراف بنسبية الفشل والخروج من التقوقع والإنكماش على الذات والبعد عن الأنا المفرطة وإعلان المصالحة مع الذات ومع الآخر ، مرورا بالإنفتاح على محيطنا المهني وتحديد الهدف وتسطير البرنامج النضالي المرحلي والعام و تسطير الأولويات والعمل على خلق البدائل والمبادرات وتبني مبدأ النضال في إطار النقابة او الجمعية كمؤسسة مواطنة ، وصولا إلى فرض أنفسنا على القائمين على أمرنا والمكلفين بتدبير شأننا المهني والعام ، وعندها ستكون لاحتجاجاتنا عند الضرورة واللزوم طعما آخر وسنسترد قيمتنا التي افتقدناها اليوم وسنفرض على الجهات المسؤولة مراجعة أسلوب تعاطيها معنا كقطاع وكمهنيين ومع احتجاجاتنا وتظاهراتنا وإضراباتنا ، وستتقلص أو تنقضي عندئذ فرص استغلالنا ونحد من الإنتفاع الشخصي من وراء الزج بنا في متاهات الإحتجاج التي لا تخدم إلا مصالح البعض الشخصية على حساب المصلحة العامة للقطاع وللمهنيين ، وحتما سيكون احتجاجنا ليس لأجل الإحتجاج في حد ذاته وإظهار نوع من القوة بقدر ما نكون باحتجاجنا قادرين على تحقيق أهدافنا ومطالبنا التي لم تتحقق بدونه ….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock